منال لاشين تكتب : الخطايا الخمس فى لعبة الدولار

مقالات الرأي


■ الحكومة تدعم شركات المضاربين على الدولار بـ800 مليون جنيه دعماً للصادرات وتمنحهم مليارات من الجنيهات فرق سعر الغاز والكهرباء
■ وجود مباحث الأموال العامة للرقابة على الطائرات الخاصة ويخوت الموانئ السياحية يمنع تهريب شنط الدولار
■ خمسة من المضاربين سفراء للترويج لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى
■ رجل أعمال: أنا هاعمل الدولار ورق حائط فى بيتى ولا أبيعه للبنوك المصرية


معركة الدولار ليست مجرد معركة اقتصادية تجرى أحداثها فى ساحات الصرافة والبنوك، فمعركة الدولار لا تقل خطورة عن معركة الإرهاب لأن الإرهاب يريد أن تركع مصر بالانقسام والتفتت والحرب الأهلية، ومعركة الدولار قد تؤدى إلى تركيع مصر من خلال تجويعها، ولذلك فإن المضاربين فى الدولار لا يقلون خطورة أو قلة أصل أو خيانة عن الإخوان الإرهابيين وأعوانهم.

وربما تبرر خطورة معركة الدولار الإجراءات الأكثر جرأة الذى اتخذها البنك المركزى منذ أسبوعين، فبعد أيام من العام الثانى لهشام رامز فى منصب المحافظ يدخل رامز عش الدبابير بإجراءات صارمة وحاسمة لمواجهة المضاربين على الدولار، ويحلو للبعض تصوير المعركة أنها مجرد حرب بين الصرافة التى يسيطر عليها الإخوان والبنك المركزى، وهذا تبسيط مخل وساذج مثل الكثير من التحليلات التى نواجه بها خطايا نظام مبارك، ربما تكون نسبة كبيرة من الصرافة إخوان، ولكن المعركة الأخيرة والتى أدت لأكبر زيادة فى سعر الدولار لم تكن معركة صرافة فقط، كانت مجرد حلقة من مسلسل المواجهة مع كبار رجال الأعمال، هذه المواجهة التى بدأت منذ طالب السيسى رجال الأعمال بالتبرع لمصر ورد بعض ما حققوه من ثروات فى عهد مبارك.

فى ظل أزمة حادة تعيشها مصر فى عالم الدولار وفى ظل سداد مصر للوديعة القطرية الأخيرة البالغة 2٫5 مليار دولار وفى ظل سداد قسط يناير من ديون مصر لنادى باريس، فى ظل هذا وذاك وجد بعض كبار رجال الأعمال وأصحاب مناصب اقتصادية غير رسمية ومصانع كبرى فرصة «لمصمصة» عظم البلد، عشر شركات كبرى للحديد والأسمنت وتجميع السيارات والمواد الغذائية طلبت قروضًا من البنوك بالمليارات، تصوروا يأخذون قرضًا من فلوسنا من البنوك لتمويل شراء الدولار من السوق السوداء، لم يكن الغرض من شراء الدولار أو بالأحرى المضاربة عليه فى السوق السوداء تمويل عمليات الإنتاج العاجلة، فالغرض كان إنتاج كميات كبيرة من الإنتاج لتخزينه لحين ارتفاع الأسعار هذه المنتجات، بعض أصحاب هذه المشروعات من الأكابر ضاربوا على الدولار. وبعد ذلك تم إيداع ملايين الدولارات فى البنوك المصرية، ووجدوها فرصة لخروج آمن وقانونى لجزء آخر من ثرواتهم خارج مصر، حتى لو كانت فى أقصى لحظات الضغط على مصر.

ولذلك كانت قرارات المركزى ولكن المعركة تحتاج لجهود أطراف أخرى على الأقل بالكف عن مساندة ودعم المضاربين.

1

قرارات المركزى

لم يفهم الكثيرون فكرة أو فائدة وضع حد أقصى على الإيداع بالدولار سواء للأفراد أو للشركات، ولكن هذا القيد كان أول إجراء لمعاقبة المضاربين على الدولار ودفعهم لبيع الدولارات التى جمعوها من السوق السوداء للبنوك، فقد كان المضاربون يجمعون الدولار بأعلى سعر من السوق السوداء، ثم يقومون بعد ذلك بإيداع هذه الدولارات فى حساباتهم فى البنوك، وهذا الإجراء يمنحهم حرية إخراج الدولارات للخارج بطريق رسمى بحد أقصى 100 ألف دولار شهريا، وشراء مواد خام من الخارج من خلال البنوك، ولذلك فإن وضع حد للإيداع سيدفع المضاربين لبيع الدولار للبنوك، وهذه الضربة القاتلة أربكت حسابات المضاربين، فقد كان الجميع يتوقع بعد رفع سعر الدولار فى السوق الرسمية أن يدفع رامز بغطاء دولارى من وزن المليار دولار للهبوط بسعر الدولار، ولم يتوقع أحد الإجراءات الخاصة بالإيداع، ولذلك فقدوا أعصابهم، وبدأت حملات الشتائم والتشهير، وفى إحدى الجلسات الخاصة جدا قال واحد من كبار رجال الأعمال: «أنا أعمل الدولار ورق حائط وأعلقه على الحيطة فى بيتى أحسن من إنى أبيعه للبنوك وحد يلوى ذراعى».

فأى محاولة لفرض القواعد على كبار رجال الأعمال تترجم لديهم للى ذراع، وليس من قبيل المصادفة أن بعض رؤساء البنوك فى اجتماع المركزى الأخير استخدموا نفس تعبير «ورق الحائط»، ولكن من الخطر الشديد تصور أن المسألة كماتش كورة بين المركزى وكبار رجال الأعمال.

2

عقاب المضاربين

ليس هناك دولة مهما بلغ حجم العشوائية بها تدعم المضاربين بالدولار، وليس فى تعبير الدعم أى خطأ، فعندما تكشفت فضيحة العشر شركات الكبرى المضاربة على الدولار، كان من اللافت للنظر موقف الحكومة ووزاراتها المعنية والمتقاطعة أعمالها مع بيزنس هذه الشركات، فأكثر من سبع شركات من هذه القائمة حصل على دعم للصادرات من وزارة التجارة والصناعة بنحو 800 مليون جنيه، كما أن ثمانى شركات من هذه القائمة لا تزال تحصل حتى الآن على دعم غاز وكهرباء من الدولة المصرية، ولم يفكر أحد من السادة فى الحكومة تهديدهم على الأقل بوقف الدعم الذى يحصلون عليه وإلا ما استمروا فى المضاربة على الدولار.

وزيادة فى ضغط الدم فإن خمس شركات من هذه القائمة على الأقل تم اختيار رؤساء مجالس إداراتها كسفراء مروجين فى المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ، وذلك بناء على اختيار وزارة الاستثمار لقائمة السفراء، هؤلاء البهوات والباشوات لم يتخذ ضدهم أى إجراء علنى ولو حتى بالتهديد أو الوعيد أو «العين الحمراء»، وهذا موقف مثير للدهشة من حكومة المهندس محلب وبعض وزرائه، واستمرارًا لحالة الشلل أمام سطوة كبار رجال الأعمال، والخوف من المساس بهم حتى لا يتهدم معبد الاقتصاد على رءوس المصريين، فقد عدنا مرة أخرى وبعد ثورتين لوضع هدف واحد أمامنا، وهو جذب المستثمرين حتى لو لم يستفد من ذلك المصريون، فقد كان أحد أسباب عدم لجوء الحكومة لأى إجراء ضد هذه الشركات هو الخوف من الشوشرة وتعطيل الحال قبل المؤتمر.

المثير أن المضاربين يستخدمون نفس هذه العبارات أو بالأحرى التبريرات، كل مستثمر يقول لك إن قرارات المركزى تعطل مجىء المستثمر الأجنبى، ولا أظن أن أحدا منهم ينتظر أن يسمع التعليق المنطقى «وهل فيه مستثمر ييجى مصر أو أى دولة فى العالم بشنط أو شوال دولارات ولا من خلال تحويلات بنكية متبادلة»، فالمستثمر الأجنبى يقوم بتحويل تمويل مشروعه من خلال بنوك.

3

غلق الحنفية

وأخشى فى ظل هذا التقارب بين فكر الحكومة والمستثمرين أو بالأحرى المضاربين أننا لم نعمل بجدية لغلق حنفية تهريب الدولار والمضاربة عليه، فلكى نضمن نجاح الإجراءات الجديدة للبنك المركزى والإجراءات المقبلة للبنك يجب أن نحكم السيطرة على منابع تهريب الدولار، لأن بعض كبار رجال الأعمال يخططون لنقل أموالهم من الدولارات بعد القرار الجديد، وهذا الأمر يتطلب مواجهة جدية فى المطارات خاصة الطائرات الخاصة والموانئ السياحية سواء فى البحر الأحمر أو المتوسط، فبعد ثورة 25 يناير كان هناك عشرات القصص عن شنط بملايين الدولارات تخرج من مصر عبر بعض المطارات أو بالأحرى الطائرات الخاصة، وحقائب أخرى عبر موانئ سياحية بلنشات للنزهة، وتشديد الرقابة على كل هذه المواقع أمر مهم، حتى لو أدى الأمر إلى الاستعانة بخبرات ورجال مباحث الأموال العامة فى هذه المناطق الخاصة لإجراء تفتيش جدى ودقيق على هذه المعابر.

وإذا كنا نهاجم شركات الصرافة ليل نهار، فالأولى أن نعدل القوانين أو بالأحرى العقوبات على شركات الصرافة المخالفة، فالعقوبة الآن لا تزيد على إغلاق شركة الصرافة أو فرع الشركة المخالفة لمدة شهر، وهذه العقوبة لا تكفى لردع المتلاعبين من أهل الصرافة، لأن الإغلاق يمنح الشركة المخالفة فرصة للعمل فى تجارة الدولار بالجراحات السرية وبأسعار أكبر من السعر الذى كان يبيع به داخل الشركة، ولكن تغيير العقوبات أو تشديدها يساهم فى ردع المضاربين، ولذلك من ضمن الاقتراحات التشريعية جعل العقوبة غرامة مالية كبيرة و«تقطم الوسط »، وقد يكون من الملائم للفوز فى معركة الدولار جعل الغرامة فى كل مخالفة بعشرة أضعاف قيمة المخالفة، فعلى الأقل نسترد جزءًا من أموالنا التى يستنزفها هؤلاء المتاجرون بالدماء التى تجرى فى شرايين هذا الوطن.

ولكن إغلاق أخطر المنابع لسرقة عوائد الاقتصاد المصرى يجب أن يتم بالتنسيق مع الخارجية وبمساعدة الدبلوماسيين المصريين ويقظتهم، ففى معظم الدول العربية يتم الحصول على بعض مدخرات المصريين بهذه الدول، وذلك من خلال سماسرة، ودون أن تمر هذه العملية بأى طريق رسمى أو حتى تدخل الدولارات مصر من الأساس لا برا ولا بحرا، فالسمسار يمنح أهل المصرى المغترب فى مصر فلوسهم بالجنيه المصرى من خلال مندوبه فى مصر، ويحصل على الدولار من المصرى المغترب ويقوم السمسار بإيداعه فى بنوك خارج مصر، وقد توسعت بل توحشت هذه الشبكات، والتى بدأت بكسب ثقة بعض المصريين هناك ليس بسعر دولار أعلى من البنك، ولكن بأنه يمنح أهل المصرى المغترب الأموال بالجنيه قبل أن يحصل من المصرى المغترب على المقابل بالدولار، وقد أصبح هؤلاء السماسرة معروفون بالاسم، ويمكن للسفارات والقنصليات المصرية بالخارج مساعدة مصر لجمع المعلومات حول هؤلاء السماسرة، وهل يعملون بطريق شرعى وقانونى يتوافق مع الدول العربية أم لا، لأن الدول العربية الخليجية لن تتأخر فى مساعدتنا فى ترحيل هؤلاء السماسرة إذا كانوا يعملون بشكل غير شرعى، وقد استجابت الإمارات أو بالأحرى مؤسساتها الرقابية لطلب محافظ البنك المركزى هشام رامز من قبل بإغلاق شركات تعمل بشكل غير شرعى على أرضها، وكانت هذه الشركات تقوم بجمع مدخرات المصريين بالدولار بحجة أنها شركة استثمار أموال تابعة للإمارات، ولكن قبل أن نطلب مساعدة الأشقاء يجب أن نعمل نحن بجدية فى ملف الدولار، وأن نصر على الفوز فى لعبة الدولار، وأول خطوة فى طريق الفوز ألا نقلل من خطورة معركة الدولار، وألا نتنازل عن معاقبة المتلاعبين والمضاربين بحجة جذب الاستثمار وتدليل المستثمرين، وألا تستخدم الحكومة ورقة المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ لتغطية خوفنا وتدليلنا لرجال الأعمال، فالمستثمر الجاد المحترم الذى يجب أن نسعى لجذبه يريد سوقا واحدة لسعر الدولار، ومستعد للعب بقواعد نزيهة ومحترمة، إحنا عايزين مستثمر محترم لا يأخذ فقط ولا يراكم الأرباح والثروات، هذا النوع من المستثمر أفقر مصر خلال سنوات ما قبل ثورة 25 يناير.