د. رشا سميرتكتب : الروس فى بلاد الأهرام
بعد انهيار الامبراطورية البيزنطية فى القرن الخامس عشر أخذت روسيا على عاتقها العناية بالديانة الأرثوذكسية..
فكان أول روسى يزور أقدم دير على أرض سيناء "دير سانت كاترين" هو (الأرشمندريت جريفيني) سنة ١٤٠٠ من مدينة سملونسك وبعد ذلك زار هذه المنطقة الشماس (زوسيما) قادما من دير(ترويتسى- سيرجيفوى)..
ثم أصبح الحجاج الروس يأتون الى سيناء زائرين للأماكن المقدسة متحملين المشقة والتعب وكان بدو سيناء يستقبلونهم بالعطف والود..
ومع بداية القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر بدأت علاقات لا يمكن إغفالها بين مصر وروسيا، فقد حضر كل سفراء روسيا الذين اعتمدوا فى ذلك الوقت فى الامبراطورية العثمانية..
كما أدى اهتمام الروس بمصر إلى ظهور العديد من صفوة المجتمع الروسى وفنانيه وعلمائه الشغوفين بالحضارة المصرية القديمة، بل وتفاعل المصريون مع أحداث ثورة عام ١٩٠٥ فى روسيا وانحازوا لها..
وفى الوقت نفسه استقبلت مصر العديد من السياسيين ورجال الثقافة، والعديد من السفراء الروس الذين أثروا بشكل ما على كل ما يحدث فى البلد خاصة بعدما بدأت أول مجموعات من المهاجرين الروس فى الوصول الى الإسكندرية فى أوائل ١٩١٩ بعد الثورة البلشفية فى روسيا وتم إسكانهم فى مدينة من الخيام فى التل الكبير فى منتصف الطريق بين القاهرة والإسماعيلية..
واستمرت العلاقة المصرية الروسية فى التوطد حتى شملت كل الجوانب السياسية والاقتصادية والروحية التى لم تنقطع أبدا، بل حدث تحول آخر فى عام ١٩٤٣عندما بدأ الاتحاد السوفيتى علاقة دبلوماسية مع مصر الحرة وقد بلغت هذه العلاقة أقصى مدى لها بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢..
العلاقة إذن لم تكن وليدة الصدفة، ولا مجرد رد فعل لمحاولات أمريكا المستميتة للوقوف فى وجه استقلال مصر..إنها قصة تاريخ طويل وأقدار تعانقت لتصنع الحُلم..
أما أمريكا التى حاولت طويلا أن تسحب البساط من تحت قدم منافسها اللدود الاتحاد السوفيتى، فقد توجست خيفة وأصبحت فى موقع المتآمر الفاشل، فى وضع لا تُحسد عليه..
فإذا كانت المعونة من الأسلحة هى كل ما تتحكم فيه أمريكا وتلوح بقطعه كل يوم،
فهاهى زيارة بوتين للقاهرة تؤكد على العلاقة الوطيدة بين البلدين..وتعد استكمالا لاتفاقيات التبادل التجارى التى تم التوقيع عليها بعد زيارة السيسى لروسيا..وهى اتفاقيات من شأنها دفع عجلة الاقتصاد المصرى، بل امتد الأمر إلى حالة من التبادل السياحى بتحفيز الروس لزيارة مصر..
ومن المقرر أن تتطرق زيارة بوتين كذلك إلى أهمية تضافر جهود المجتمع الدولى، وتكثيف التعاون فى مختلف المجالات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، لا سيما فى ضوء حاجة المجتمع الدولى إلى جهد جماعى لدحره والقضاء عليه..
لذا كان من المنطقى أن تحارب الجماعات الإسلامية والإخوانية تلك الزيارة بكل ما أوتيت من فرصة..
ولكن أن نساهم نحن كدولة فى رسم صورة مهزوزة وهمجية لأكبر دولة فى المنطقة العربية، تلك هى المأساة!..فمتى نُصبح على قدر المسئولية؟..
ما حدث فى استاد الدفاع الجوى من مهزلة إنسانية وكروية، مأساة فادحة تستحق التحقيق وإدانة المتسببين فيها..
فالشباب الذى مات جراء حضوره مباراة كُرة، وخروج الناشطين والإخوان معا لإدانة الشُرطة والدولة، عشية وصول الرئيس بوتين إلى أرض الكنانة، صورة مؤسفة..
أتساءل وكلى شغف لأن يُجيبنى المسئولون:
ما أهمية الدورى والكأس فى ظل ما تعانيه الدولة اليوم من إرهاب؟ هل كانت الشرطة والجيش بحاجة لمزيد من التشتيت والإدانة والمسئولية فى وقت أصبح فيه تأمين المنشآت والحدود والأفراد عبئا ثقيلا؟
ففى الوقت الذى يعانى فيه رجال الجيش والشرطة من استهداف خارجى وداخلى، هل كان إلقاء عبء أكبر على عاتقهم بتأمين المباريات منحة من إتحاد الكُرة أم تكدير لهم؟
ولو كانت إقامة المباريات هدف قومى لا يمكن الاستغناء عنه، هل كان ولابد من السماح للجمهور والألتراس بالحضور فى هذا التوقيت الحرج؟ هل يحتمل الوضع مزيدا من الشهداء؟
إن المظهر غير الحضارى لدولة تنتظر مؤتمرا اقتصاديا وتمد يدها للتعاون الدولى لم يكن لائقا.. ومحاسبة كل من أدين فى هذه الكارثة واجب حتمى..
وفى النهاية لا يسعنا سوى أن نرحب بالرئيس الروسى وندعو الله أن تظل جسور التعاون مع روسيا ممدودة..ولو كره المتآمرون..